قصر المعاركة : معلمة تاريخية طالها النسيان و التهميش

يموت الإنسان ألما وحسرة وهو يتأمل الأوضاع الكارثية التي آلت إليه المآثر التاريخية. فإذا كانت الدول المهتمة بماضيها تعمل جاهدة على صيانة ذاكرة شعوبها وإبراز مقوماتها خدمة لحاضرها ومستقبلها، فإن الاهتمام بالتراث الثقافي والمعماري بالمغرب وبالجنوب الشرقي  خاصة لا زال ضعيفا إن لم نقل شبه منعدما، يشهد على ذلك الحالة المزرية لمعظم المواقع والبنايات التاريخية بمنطقة تافيلالت المعروفة بقصورها العلوية  .

.

 ويعتبر قصر المعاركة من القصور العلوية الجميلة التي شيدت بمنطقة تافيلالت،  مهد الدولة العلوية الشريفة ، تم تأسيسه في بداية القرن 18م (1721م - 1134هـ) من طرف المولى إسماعيل لإيواء ابنه  المولى الشريف "الذي كان خليفة لأبيه على منطقة " الرتب"  بأوفــوس.

يوجد القصر في موقع جغرافي هام  في منطقة تتميز بحقولها الخضراء  المكسوة بأشجار النخيل والزيتون وبطبيعتها الخلابة على الضفة اليمنى لوادي زيز "بالرتب"، على بعد   7  كلم من مركز أوفــوس  التابع  لإقليم الراشدية  بالمغرب .

يتميز القصر بطابع معماري وهندسي أصيل ، أبدعته أيادي صناع وحرفيين مهرة في البناء والزخرفة   والذي لازالت بعض أثاره صامدة أمام مرور الزمان لمدة 3 قرون وتدخل الإنسان، لتشهد أنه يعتبر معلمة تاريخية وتراث ثقافي معماري بهذه المنطقة  . هندسته المعمارية تتميز بالتوفر على أشكال وأنماط و عناصر معمارية وزخرفة مأخوذة من فن معماري تقليدي وطابع حضري يعتمد على الأصالة التقنية في عملية البناء.

يتكون قصر المعاركة من مسجد ودور "منازل" ملتصقة ومنتظمة تتوسطها "الدار الكبيرة"  التي كانت تقطنها الأسرة العلوية الشريفة أنداك ، ينفذ إليها عبر مدخل رئيسي في الجهة الشمالية للقصر المعروف محليا بباب الجديد  ، بنيت على مساحة شاسعة محاطة بسور "خارجي وداخلي" كبير مربع الشكل و محصن بأبراج عالية مبنية بالتابوت (اللوح) .

والمدخل ارث حضاري ومعماري أصيل يشبه إلى حد بعيد ذلك الذي بني به باب منصور بمكناس الإسماعيلية خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار هندسة  وزخرفة البناء. وهو عبارة عن قوس شامخ مقربص الشكل بابه مصنوع من خشب الصفصاف الصلب ومغلف بالزنك يغلق من الداخل بواسطة قفل حديدي لا زال يحتفظ ببعض أثاره الأولى من حيث مواد البناء (الأجر- الزليج - الجبس- القرمود...) وتعلوه كتابة مزلجة تحمل قصيدة شعرية تتضمن معلومات هامة جدا تخص اسم مؤسس القصر وتاريخ بنائه.

تقــول القصيدة:

   1- يا ناظرا هذا البناء العجيب // //  قف وسل المولى الكريم المجيب

   2- يكلأ مولانا الشريف كمـا // // أثابه فــضلا فأوفى نصيـــب

   3- جعله  في الخير مستعملا  //  //  وخصه حقـــا بقلب منيــب

  4- ابن أمير المؤمنيـن الذي  //  //   له الــمزايا والجنب الرحيــب

  5- مولانا إسماعيل دام لـه  //  // نــصر من الله وفتح قريـــب

  6- شيده في "شمم نــاج"   //  // والسعــد يخدمه وعيش خصيب.

وفي البيت الرابع والخامس  تذكر القصيدة نسب المولى الشريف فهو ابن أمير المؤمنين المولى إسماعيل. أما البيت السادس فيعطي تاريخ بناء القصر على الطريقة التقليدية المعتمدة على الحروف الأبجدية الحسابية (شمم ناج) فقد شيد القصر عام (1134هـ/1721م) الآتية.

رغم كون مواد البناء أكثر ملائمة للظروف المناخية المحلية إلا أن بعضها  تعرض  إلى الهجوم عدة مرات من طرف العوامل المناخية وتدخل العنصر البشري مما أدى بمآثر القصر العمرانية  أن تصل إلى ما وصلت إليه من تخريب و تدهور  لتشق طريقها نحو الاندثار  . أضف إلى دلك التهميش و النسيان الذي عرفه القصر من طرف ساكنته التي لا تحرك ساكنا ولم تلقى بعد الرعاية من الجهات الساهرة على الشأن الثقافي والسياحي في هذه المنطقة فإن المسؤولين في السلطة والجماعات المحلية ووزارة الثقافة... لا زالوا يصمون آذانهم كأنها غير موجودة على خريطة تافيلالت ولم يقوموا إلى حد اليوم بأية مبادرة عملية لحماية هذه المعلمة التاريخية من الضياع والطمس، وكأنهم بذلك ينتظرون اندثارها كلية ..

فهل تجد هذه المعلمة التاريخية من منقـذ يخرجها من دائرة النسيان و التهميش والإقصاء ويعيدها مجدها التاريخي لعلها تجد خريطة طريق للترميم  وتصنف  تراثا محليا بل وطنيا ولما لا عالميا  حتى تتمكن من لعب دورها السياحي والتاريخي والثقافي.

فهل يلقى هذا النداء استجابة المعنيين بالسياحة والثقافة للتدخل عاجلا لانقاد هذه المعلمة ؟؟  

لكل الأسف الشديد بدون جـــدوى ؟؟